الاسم: محمد
اللقب: سحنوني
تاريخ ومكان الميلاد: 7 نوفمبر 1956، بثنية الحد، ولاية تيسمسيلت
"تتوفر الجزائر على كنوز هامة، من شأنها أن تساهم عالميًا في دراسة المسيرة الإنسانية."
الأستاذ محمد سحنوني: مسيرة نحو ريادة البحث الأثري
وُلد الأستاذ محمد سحنوني في السابع من نوفمبر عام 1956 في ثنية الحد، وهي مدينة صغيرة بولاية تيسمسيلت الواقعة بمنطقة الهضاب العليا غرب البلاد.
وتنحدر جذور عائلته من بقعة "سيدي سحنون" بولاية شلف، والتي سميت كذلك تيمنًا بالولي الصالح الذي كان يشرف على المنطقة آنذاك، ولعل لقب العائلة مستمد هو أيضًا من تسمية الولي، حيث غُيِّر بعدها إلى "سحنوني" نظرًا لفوضى الألقاب التي شهدتها عمليات التسجيل المدني إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر.
نشأ الأستاذ سحنوني بعيدًا عن أبيه "بوعلام"، إذ انفصلا والداه قبل ولادته، وقد كان هو الثمرة الوحيدة لزواجهما، فلم يرى والده إلا مرتين في حياته؛ الأولى في بداية سنوات مراهقته والثانية عام 1994 بمبادرة من الأستاذ وزوجته التي بحثت بدورها عن عنوان إقامة والده وحثته على لقياه لتكون تلك آخر مرة يراه فيها، إذ تلقى في 2005 خبر وفاته من اخوته غير الأشقاء.
مكثت والدته "هشم فاطمة" بعد انفصالها عن زوجها في بيت أهلها، وبحكم عملها في بلدية ثنية الحد لتأمين لقمة العيش، تكفلت جدته بتربيته والقيام بشؤونه في السنوات الأولى لطفولته إلى حين وفاتها، عام 1963 إثر خضوعها لعملية جراحية.
وفي خضم وحشة الفُراق والوحدة، انتقل الأستاذ سحنوني رفقة والدته بطلبٍ من العائلة إلى خميس مليانة بولاية عين الدفلى، تحديدًا إلى بيت خالته المُتزوجة الواقع بنهج "الشهيد عمراني" (المعروف بـ "طريق مليانة")، الذي قضى فيه الأستاذ جُلَّ مراحل تمدرسه، أما والدته فقد كانت تتنقل بين منازل شقيقاتها لفترات متقطعة إلى غاية زواجها عام 1965.
شبَّ الأستاذ سحنوني في جو تسوده الصرامة والحزم، فقد كان زوج خالته المدعو "عقيل محمد" كأي أب؛ صارم فيما يستدعي الصرامة وليّن فيما يستدعي اللين، وذلك حرصًا منه على التنشئة الحسنة لطفل غاب عنه دور الأب.
صَعُب على الأستاذ سحنوني التأقلم مع الواقع الجديد الذي حلّ به والذي تزامن مع مباشرته للتعليم الابتدائي بمدرسة "الشهيد قويدري محمد"، فقد كانت صداقاته تقتصر على أسوار المدرسة فحسب، إذ بحكم النمط التربوي الصارم الذي اعتمده زوج خالته، كان مُلزمًا بالتنقل المباشر من البيت إلى المدرسة أو إلى محل الملابس الذي كان يديره زوج خالته. أما في عطل صيف المرحلة الابتدائية، فقد كان يزاول المدرسة القرآنية، مدعومًا في ذلك من زوج خالته الذي كان إنسانًا تقيًا وحافظًا لكتاب الله.
لكن سُرعان ما تغيرت الأمور، عند ارتياده للمدرسة المتوسطة (مدرسة "الإمام ابن باديس") التي تجلت من خلالها بوادر تعلقه بالدراسة وحبه للاكتشاف والتعلم، حيث كان متفوقًا في كل المواد التعليمية، ويستذكر الأستاذ سحنوني في هذا السياق أسماء معلمين رسخت في ذهنه، لاسيما أستاذا التاريخ والجغرافيا "بن سماعيلي" و"طهراوي العربي" وكذا أستاذ الرياضيات "فهمي" المصري الجنسية وأستاذ اللغة الفرنسية الذي كان رئيس الدير بكنيسة خميس مليانة. وعلى عكس عُطل صيف المرحلة الابتدائية، كان يغتنم عطل صيف مرحلتي المتوسط والثانوي للعمل كمستخلف في إدارة الضمان الاجتماعي وذلك بحكم الامتياز الذي تحصل عليه آنذاك موظفو الإدارة بإدخال أبنائهم لتعويض العمال الغائبين.
ورغم تفوق الأستاذ سحنوني في المواد العلمية والأدبية على حد سواء، إلا أنه قد كان ميالاً للعلوم الإنسانية، فارتأى المجلس العلمي للمدرسة المتوسطة توجيهه نحو تخصص الآداب في الثانوية، الأمر الذي لعله جاء بنظرة استشرافية عنوانها "القدر" متنبئًا بالمشوار الحافل بالإنجازات الذي سلكه الأستاذ لاحقًا.
التحق بعدها بالثانوية المختلطة لخميس مليانة (حاليًا؛ ثانوية حمزة بن عبد المطلب)، حيث استمر في مسار الاجتهاد والتفوق والتي يستذكر فيها أستاذ الأدب العربي "محمد الطاهر بن بريكة" وأستاذ التاريخ "إدريسي" وأستاذ الجغرافيا "نجاري"، ومع اقتراب موعد البكالوريا أبان عن رغبته في دراسة العلوم الاجتماعية بالجامعة، وعلى محض الصدفة، وبنصيحة من أستاذه في الأدب العربي، اطلع الأستاذ سحنوني على خبر فتح شعبة الآثار في جامعة الجزائر، لتتبلور في ذهنه الفكرة إلى غاية حصوله على البكالوريا عام 1977.
المسار الجامعي
بعد نجاحه في البكالوريا وحلول فترة التسجيلات الجامعية، اطلع الأستاذ سحنوني على تخصص علم الآثار عن طريق القراءة، فأعجب بطبيعته العملية، القائمة على الشواهد المادية بدلاً من مجرد التنظير والتوثيق.
وقد كان قسم الآثار في بدايات تأسيسه عام 1977 بجامعة الجزائر المركزية، امتدادًا لقسم التاريخ، حيث يتشارك الطلبة في العامين الدراسيين الأولين، ليختاروا بحلول العام الثالث أحد التخصصات الفرعية التالية:آثار ما قبل التاريخ، الآثار القديمة، أو الآثار الإسلامية. وقد وقع اختيار الأستاذ سحنوني آنذاك على تخصص "آثار ما قبل التاريخ"، متأثرًا بأستاذه المصري "أحمد زرقانة"، الذي درسه وزملائه مقياسي "الجغرافيا التاريخية و"الأنثروبولوجيا الفيزيائية"، متميزًا بمنهاجه البيداغوجي الفذ الباعث على التعلم.
ولأن الخرجات الميدانية كانت ضئيلة جدًا بالجامعة الجزائرية نظرًا لحداثة التخصص، بادر الأستاذ سحنوني وثلاثة من زملائه، إلى مراسلة أستاذ فرنسي معروف في مجال عصور ما قبل التاريخ يدعى "هنري دي لوملي" Henry de Lumely، طالبين فرصة المشاركة في التنقيبات الأثرية بفرنسا، فكان لهم ذلك بأن قضوا عطل صيف ثلاث أعوام متتالية (1979 – 1981) في مخيمات التنقيب التي أجريت في مدينتي "نيس" Nice و"بورغينيون" Bourguignon، ما أكسبهم خبرةً وأهلهم لدراسات جامعية أعلى.
"في كل مرة نكتشف فيها لقى أثرية جديدة، نسعى إلى إثراء محتويات المتاحف بقطع موثقة علميًا، تشكّل مخزونًا بحثيًا للجيل الجديد من الباحثين ومادة تاريخية تتيح تنظيم معارض متخصصة. يُعد هذا النهج من أبرز مميزات البحث الأثري الحديث."
وفي إطار إعداده لمذكرة تخرجه من الجامعة الجزائرية، اتصل بالمركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ (CNRPAH)الذي كان يديره السيد "مولود معمري" آنذاك، من أجل تزويده بلقى أثرية ملموسة ليبني عليها بحث تخرجه، فاقترح عليه دراسة منطقة تيهوداي الأثرية الواقعة بولاية إيليزي، المُكتشفة في الأربعينات من القرن الماضي، حيث قُدمت له نماذجًا عن لقى أثرية من تلك المنطقة، فدرسها من خلال الوصف ثم التحليل وتخرج على إثرها من قسم الآثار عام 1981.
ولأن الجامعة الجزائرية كانت تقدم منحًا دراسية للخارج لطلبتها المتفوقين، تقدم الأستاذ سحنوني بملفه، وصادف وقتها أن يكون الأستاذ "ناصر الدين سعيدوني" المكرم بوسام العالم الجزائري في طبعته الثانية عشر، رئيسًا لقسم التاريخ، وأستاذًا تتلمذ الأستاذ سحنوني على يديه في مقياس "التاريخ العثماني".
"ما تمتلكه الجزائر من مؤسسات معنية بالآثار، مقارنة ببلدان أخرى، يُعد أمرًا بالغ الأهمية ومصدرًا للتفاؤل. فسواء تعلق الأمر بالجامعات أو المعاهد التي تخرّج سنويًا مئات الباحثين، من بينهم من نشرف على تكوينهم، أو بالمؤسسات الكبرى مثل مركز البحث في عصور ما قبل التاريخ، والمركز الوطني للبحوث الأثرية، والديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية، فإننا، من حيث البنية المؤسسية، في موقع مثالي."
انتقل الأستاذ سحنوني إلى فرنسا عام 1981، حيث زاول دراسته بطور الدكتوراه بـ "جامعة بيار وماري كوري" Pierre et Marie Curie Université ("باريس ستة " Paris VI سابقًا)، وذلك بفضل معرفته المسبقة بالسيد "هنري دي لوملي"، الذي ساهم في تأسيس دكتوراه الطور الثالث هناك بالتعاون مع "المتحف التاريخي الطبيعي" Muséum National d’Histoire Naturelle.
تضمّن طور الدكتوراه، عاماً أوليًا يتحصل الطالب في ختامه على شهادة الدراسات المعمقة، أما ما تبقى فهو مخصص لدكتوراه الطور الثالث في "جيولوجيا الزمن الرابع، تخصص ما قبل التاريخ".
تعرف الأستاذ سحنوني آنذاك على السيد "ليونيل بالو" Lionel Balout المتخصص في حقل ما قبل التاريخ والذي شغل قبل ذلك منصب عميد لكلية الآداب بالجزائر إلى غاية 1962 ومدير "المتحف الوطني باردو" Musée Bardo بالعاصمة، والمدير المؤسس "للمركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ" (CNRPAH)، حيث عاد أدراجه إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر، وبالتحديد بعد جريمة حرق المكتبة الجامعية التي اقترفتها المنظمة السرية الفرنسية، في وقت عمادته للجامعة، آخذًا معه لقى أثرية من الجزائر على غرار؛ لقى عين الحنش بسطيف، وتيغنيف بمعسكر، وحي مالكي ببن عكنون التي وُجدت تحت العمارة الكبرى بالمنطقة ذاتها والتي كانت تدعى إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر بـ Les Allobroges.
"وجوب استئصال تلك النزعة الاستعمارية التي هدفت للتحكم في تاريخ وتراث الجزائر، والتأريخ لفترة ما قبل التاريخ بموضوعية وقول الحقيقة العلمية كما هي."
أودع "ليونيل بالو" اللقى الأثرية التي أتى بها إلى فرنسا في "معهد علم الحفريات البشرية" Institut de Paléontologie Humaine، الذي كان يديره، قبل أن يخلفه "هنري دي لوملي"، لذا فكل اللقى الأثرية التابعة للمتاحف الجزائرية قد كانت تحت تصرفه.
وقد عرض على الأستاذ سحنوني وأربعة من طلبة الدكتوراه ذوو الأصل الجزائري، بأن يدرسوا تلك اللقى في إطار اعدادهم لأطروحات الدكتوراه.
ومن حسن حظ الأستاذ سحنوني، أن أعطاه السيد"ليونيل بالو" عينات من لقى عين الحنش ليدرسها، بيد أن الأستاذ "هنري دي لوملي"أبى ذلك، وحاول فرض مواقع أثرية أخرى من اختياره، ودخلا الاثنان لذلك في نقاش حاد، دون أن يخضع الأستاذ سحنوني لإصرار "دي لوملي"، الذي كان مشرفًا على مشروع بحثه.
"فرنسا هي من أرخت لفترة ما قبل التاريخ في الجزائر بأيديولوجية استعمارية ولهذا فإن مهمتنا اليوم هي إعادة كتابة تاريخ هذه الفترة بنظرة وطنية."
وفي بدايات مجرى البحث في دكتوراه الطور الثالث، وبالتحديد في صيف عام 1983، ذهب الأستاذ سحنوني في خرجة استطلاعية للموقع ليتبين له من خلال البحث أن ما خفي فيه أعظم.
تخرج الاستاذ سحنوني عام 1985 جامعة "بيار وماري كوري" بتقدير مشرف جدا وتهاني لجنة المناقشة التي أشادت بعمله كونه قد أسفر عن التوصل لمعلومات أثرية قيمة جدًا، وكانت الأطروحة تحمل عنوان:
L'industrie sur Galets du gisement villafranchien supérieur de Aîn Hanech (Sétif, Algérie orientale)
نشر بعدها في عام 1985 أول ورقة بحثية له من خلال "الأكاديمية الفرنسية للعلوم" Académie des Sciences، وكان من القلائل الذين أتيحت لهم فرصة النشر بها، كونها تنتقي منشوراتها بدقة وتمعن.
التقى الأستاذ سحنوني بالأستاذ "بالو"، فأطلعه الأخير عن خبر إحالته على التقاعد ورغبته في إعادة اللقى التي جاء بها لفرنسا إلى الجزائر، شريطة أن يتم ذلك عبر الحقيبة الدبلوماسية. ليتوجه مباشرةً بعدها إلى السفارة الجزائرية التي كان بها السيد "عبد الحميد مهري" سفيرًا، والدكتور "إدريس شابو" المتخصص في علوم التربية وعلم النفس ملحقًا ثقافيًا. فأعلمهم بذلك، وكان ردهم إيجابيًا مُشددين على كون تلك اللقى تراثًا وطنيًا وجب التشبث به وإعادته لموطنه الأصلي. استغرقت السلطات الجزائرية بعض الوقت من أجل إدلائها الرسمي بموافقتها، لكن بمجرد اتخاذ قرار الإرجاع، انتفض "هنري دي لوملي" رافضًا الفكرة بشكل قطعي، لتبقى عملية نقل اللقى الأثرية تلك مجرد حبر على ورق.
تلقى الأستاذ سحنوني تدريبه العسكري في المدرسة الوطنية للخدمة الوطنية بتيارت لمدة ستة أشهر، ليتخرج منها كضابط احتياط، متبوعة بقرابة العام والنص أمضاها في المتحف الوطني المركزي للجيش برياض الفتح في العاصمة، حيث تعرف على الأستاذ "إبراهيم بحاز".
بعد إنهائه للخدمة الوطنية عام 1989، أعاد الاندماج في معهد الآثار، وكان الأستاذ شنيتي وقتها لا يزال مديرًا حيث اقترح عليه أن يكون خليفةً له، فوافق رغم طموحه لإتمام دكتوراه دولة، فترشح للمنصب وحاز على النسبة الكبرى للتصويت، غير أنه وبمؤامرة أحيكت ضده، مُنع من استلام مهامه.
توارت الأيام، فاستدعى مدير الجامعة الأستاذ سحنوني ليبرر له سبب عدم تعيينه رغم فوزه، لكن الأستاذ أبى الامتثال أمامه، وبضغط مُستمر من المدير، استجاب الأستاذ في الأخير لدعواه، حيث عرض عليه منصب "رئيس المجلس العلمي" كتعويض، غير أنه قد رفض بسبب انشغالاته.
وعقب منعه من تولي منصب مدير معهد الآثار، بادر الأستاذ سحنوني لمراسلة أستاذين من "جامعة إنديانا" Indiana University الأمريكية للاستفسار عن إمكانية حصوله على منحة دكتوراه للجامعة ذاتها، حيث كانا قد اتصلا به في وقت سابق وبالتحديد في خضم تأديتيه للخدمة الوطنية، لإبداء اعجابهما بالورقة البحثية التي نشرها من خلال الأكاديمية الفرنسية للعلوم، معربين عن رغبتهما في زيارة الموقع الأثري بعين الحنش. وبالفعل قدما للجزائر، وقد كان ذلك بالتزامن مع انهائه للخدمة الوطنية، حيث قدَّما محاضرة في معهد الآثار وزارا الموقع الأثري.
وجاءه الرد بالقبول بعد خمسة عشر يومًا فقط، فأعد الملف وقبل في الجامعة، وتحصل على منحة معيشية من مؤسسة Award Grant Foundation for Anthropological Research بنيويورك، شريطة أن تتكفل "جامعة إنديانا" بمصاريف التسجيل. وبالفعل في شهر يناير من عام 1991، التحق بقسم الأنثروبولوجيا في "جامعة إنديانا"، وباشر بدراسة الماجستير أولاً ثم الدكتوراه، وتحصل لذلك على إجازة من معهد الآثار.
في إطار تحضيره للماجستير الأمريكي، خاض الأستاذ سحنوني دورات مكثفة في اللغة الإنجليزية لمدة 8 أسابيع، بالتوازي مع دراسته التخصصية، لتثمر جهوده عن نيله لشهادة الماجستير في مايو 1992. بعد ذلك، قضى ما يقارب عامًا ونصف في التحضير للامتحان التأهيلي للدكتوراه، الذي اجتازه بنجاح في شقيه الكتابي والشفهي، مما أهله للشروع في البحث الخاص بالدكتوراه في "جامعة إنديانا".
وقد حظي الأستاذ سحنوني خلال تواجده بالجامعة الأمريكية، بفرصة الاستفادة من خبرات أساتذة مرموقين في مثل تخصصه على غرار "كلارك هوارد" Clarck Howard و"ديسموند كلارك" اللذان شجعاه على استئناف الأبحاث في منطقة عين الحنش لكن بأسلوب جديد ونظرة مغايرة.
أمضى الأستاذ قرابة الشهرين من كل صيف، بدءًا من 1992 وإلى 1994، في موقع عين الحنش، وذلك بالتعاون مع معهد الآثار ورفقة فريق من الباحثين والطلبة الجزائريين.
وناقش عام 1995 أطروحة دكتوراه في تخصص الأنثروبولوجيا، ولم يتخرج من الجامعة إلا بعد حلول موسم التخرج في ماي 1996، ليطلب بعدها شهادة المعادلة من وزارة البحث العلمي في الجزائر ويتحصل عام 1997 على دكتوراه دولة.
"كان هدفي منذ البداية هو العودة بما اكتسبته من معرفة وخبرات في الخارج واستثماره في بلدي الجزائر."
النقلة الأولى لإسبانيا والعودة إلى جامعة إنديانا
تزامن تخرج الأستاذ محمد سحنوني وتدهور الأوضاع الأمنية في الجزائر خلال التسعينيات من القرن الماضي، فيما يعرف بالعشرية السوداء، مما دفعه إلى التريث والامتناع عن أعمال التنقيب الأثري في الجزائر لفترة من الزمن، خصوصًا مع ولادة ولديه التوأم.
خلال تلك الفترة، تلقى دعوة من زميل له في إسبانيا للعمل كأستاذ زائر في "جامعة روفيرا إي فيرجيلي" University of Rovira i Virgili في تاراغونا، فاستجاب لهذا العرض، منتقلاً إلى إسبانيا بين عامي 1996 و1999.
تلقى بعدها عرضًا للعودة إلى جامعة إنديانا كباحث للإشراف على الأبحاث الأثرية الخاصة بالمنطقة الإفريقية، وذلك في إطار تأسيس "معهد العصر الحجري" Stone Age Instituteبالجامعة ذاتها. وبالفعل عاد إلى الجامعة وساهم في إحياء الأبحاث التنقيبية في منطقة عين الحنش عام 1998، مما شكل الانطلاقة الرسمية لمسيرته في مجال البحث الأثري، مدعومًا من الهيئة البحثية بجامعة إنديانا التي كانت تسعى لإثراء الحقل الأثري على الصعيد العالمي.
الأسرة: سند وتضحيات
تزوج الأستاذ سحنوني عام 1988 من إحدى جاراته في مدينة خميس مليانة، وأثمر زواجهما عن ولادة توأم؛ ولد وبنت المدعوان "فارس" و"يسرى" عام 1996، ويشيد الأستاذ في هذا الصدد بصبر عائلته على التنقلات المستمرة التي اقتضتها طبيعة عمله، لاسيما زوجته التي لطالما شجعته على المضي قدمًا في سبيل النجاح، إذ يقول: "تكونت زوجتي في مجال "الشبه طبي" لكنها تخلت عن ذلك لأجلي، فكانت نعم الرفيقة والسند، ووفرت لي كل الظروف للاستمرار، حيث أنها قد نشأت في بيئة مثقفة فقد كان والدها مهندس أشغال عمومية ووالدتها أستاذة لغة فرنسية بخميس مليانة، لذا فقد كانت مدركة لقيمة العلم والمعرفة. وعند انتقالي الرسمي لإسبانيا عام 2010 بحكم العمل، واجه ولديّ صعوبة في التأقلم مع النمط التعليمي الاسباني بعد اعتيادهما على البرنامج الأمريكي، لذا قررت وزوجتي إرجاعهما إلى الولايات المتحدة، حيث بقيا مع أمهما وأتما تعلميهما الثانوي هناك، ثم انتقلا لجامعة "انديانا" حيث تخصص "فارس" في "التسويق والإدارة الرياضية" وهو الآن يعمل في مؤسسة خاصة بتطوير برامج إعلامية في مجال تخصصه، أما يسرى فدرست تخصصين اثنين بالتوازي "علاقات دولية"؛ تخصص شمال إفريقيا والشرق الأوسط" و"اللغة العربية"، وهي الآن تعمل في "واشنطن" في مؤسسة فكرية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في قسم المغرب العربي، وهي متزوجة من رجل مصري وقد رزقا مؤخرًا بابنتهما الأولى."
مجالات الاهتمام البحثي
دراسات التطور البشري، علم الإنسان القديم، علم الآثار في العصر الحجري القديم، تكنولوجيا وتصنيف الأدوات الحجرية، علم الآثار التجريبي، علم الآثار الجيولوجية، دراسة التفسيرات والتحلل، عصور ما قبل التاريخ الإفريقي، عصور ما قبل التاريخ في شمال إفريقيا، عصور ما قبل التاريخ في آسيا، علم طبقات الأرض والتزامن الحيوي للحقبتين البليوسينية والبليستوسينية، علم البيئة القديمة.
نبذة عن علم الآثار
يُعرَّفُ علم الآثار على أنه الدراسة العلمية للأنشطة البشرية الماضية من خلال تحليل المخلفات المادية، حيث يسعى علماء الآثار إلى فهم تطور الحضارات والتغيرات الثقافية عبر الزمن، من خلال التنقيب عن المواقع التاريخية وفحص القطع الأثرية مثل الأدوات والأسلحة، والهياكل المعمارية، والمقابر، والنقوش. ويُعتبر هذا العلم أساسياً لفهم تاريخ البشرية، ويستند إلى تقنيات علمية متعددة وتحليلات دقيقة للكشف عن مظاهر الحياة في العصور القديمة.
فروع علم الآثار
يتفرع علم الآثار إلى عدة تخصصات رئيسة، والتي نذكرها فيما يلي:
علم آثار ما قبل التاريخ
علم الآثار التاريخي
علم آثار العصر الحجري القديم
علم الآثار الكلاسيكية
علم الآثار الإسلامية
علم الآثار المصرية
علم الآثار البيئية
علم الآثار البحرية
علم الآثار الحضرية
علم الآثار الصناعية
علم الآثار الوقائي
أبرز التقنيات المعتمدة في علم الآثار
التنقيب الأثري (Archaeological Excavation):تُعتبر التنقيبات الأثرية التقنية الأساسية في علم الآثار، حيث تقتضي حفر المواقع الأثرية بشكل منظم ودقيق للوصول إلى الطبقات المختلفة التي تحتوي على بقايا الحضارات القديمة.
تقنية الكربون المشع (Radiocarbon Dating):تُستخدم تقنية التأريخ بالكربون المشع لتحديد عمر المواد العضوية المكتشفة، مثل العظام أو الفحم، من خلال قياس نسبة الكربون المشع .(C-14) ويُعتبر هذا الأسلوب من أهم طرق تحديد تواريخ الآثار التي يتراوح عمرها حتى حوالي 50,000 سنة.
التصوير الجوي والمسح بالليزر (Aerial Photography and LIDAR):يُستخدمُ التصوير الجوي والمسح بالليزر للكشف عن الأنماط الأثرية الكبيرة التي قد لا تكون مرئية بوضوح من على سطح الأرض. ويُساعد التصوير الجوي في فهم طبيعة الموقع وشكله، بينما يوفر "المسح بالليزر" LIDAR خرائط ثلاثية الأبعاد للأرض بتفاصيل دقيقة حتى في المناطق المغطاة بالغابات.
التحليل الجيوفيزيائي (Geophysical Surveying): يتضمن هذا التحليل استخدام تقنيات مثل "الرادار الأرضي" Ground-Penetrating Radar, GPR و"التصوير المغناطيسي" Magnetometry للكشف عن الهياكل المدفونة تحت الأرض دون الحاجة إلى التنقيب.
تقنية تحليل الفخار (Pottery Analysis): تقتضي هذه التقنية تحليل الفخار من حيث الشكل، والزخرفة، والتركيب الكيميائي، ومصدر الطين المستخدم، مما يُساعد في تحديد تواريخ المواقع ومناطق التفاعل التجاري والثقافي بين المجتمعات القديمة.
تقنية تحليل الحمض النووي (DNA Analysis): تُستخدم لتحليل البقايا البشرية والحيوانية بغية الكشف عن أصولها وعلاقاتها الجينية. ويُساعد تحليل "الحمض النووي القديم" Ancient DNA في فهم التغيرات السكانية والتحركات البشرية في العصور القديمة.
تقنية الفحص المجهري (Microscopy): تُستخدم المجاهر لفحص الأدوات الحجرية، والنباتات القديمة، والحبوب، والحفريات المجهرية. ويمكن من خلال هذه التقنية تحديد كيفية استخدام الأدوات وفحص بقايا الطعام أو الألياف النباتية.
تقنية المسح ثلاثي الأبعاد (3D Scanning): تسمح هذه التقنية بإنشاء نسخ رقمية دقيقة ثلاثية الأبعاد للآثار والأدوات والهياكل. ويُستخدم المسح ثلاثي الأبعاد لتوثيق القطع الأثرية أو المواقع بدقة كبيرة.
التحليل النظائري (Isotopic Analysis): هو تقنية تُستخدم في علم الآثار لتطبيقات متعددة، مثل تأريخ المواقع والقطع الأثرية، وتحديد الأنظمة الغذائية السابقة وأنماط الهجرة، وإعادة الإعمار البيئي. وتقتضي تقييم نسبة "النظائر" Isotopes المختلفة لعنصر معين في العينة.
تقنية دراسة القطع الأثرية (Artifact Typology): هي تقنية تصنيف القطع الأثرية بناءً على خصائصها الشكلية والزمنية. يُساعد هذا التصنيف في تحديد فترات زمنية معينة وتتابع تطور الأدوات والأسلحة عبر الزمن.
التأريخ الحراري (Thermoluminescence Dating): تُستخدم هذه التقنية لتحديد عمر الأشياء المصنوعة من الطين أو المعادن التي تم تسخينها في الماضي (مثل الفخار). وتقتضي هذه التقنية قياس الطاقة المخزنة في المادة للكشف عن آخر مرة تم فيها تسخين القطعة.
التحليل الكيميائي (Chemical Analysis): تُستخدم تقنيات مثل "التحليل الطيفي بالأشعة السينية" X-ray Spectroscopy أو "التحليل الطيفي بالكتلة" Mass Spectrometry لتحليل مكونات الأدوات الأثرية مثل المعادن والفخار، مما يساعد في تحديد مصدر المواد وطريقة صنعها.
التصوير الحراري (Thermal Imaging): يٌستخدم التصوير الحراري لاكتشاف الهياكل المدفونة أو التجاويف في الأرض من خلال مراقبة التغيرات في درجات الحرارة على سطح الأرض، مما يساعد في تحديد المواقع الأثرية دون الحاجة إلى الحفر.
التسلسل الزمني بالفحص الشجري (Dendrochronology): يُحدد عمر الخشب من خلال تحليل الحلقات السنوية في جذوع الأشجار. تُستخدم هذه الطريقة لتحديد تواريخ دقيقة للأبنية الخشبية أو الأدوات المصنوعة من الخشب.
التخصصات العلمية الداعمة للأبحاث الأثرية
علم الإنسان
الجيولوجيا
علم النبات الأثري
علم الحيوان الأثري
الكيمياء الأثرية
الفيزياء
علم الأحياء الدقيقة الأثري
الهندسة المعمارية
علم المناخ القديم
علم الأحياء القديمة
الجغرافيا
الهندسة المدنية
علم الوراثة القديم
الإحصاء وتحليل البيانات
سلسلة الشهادات والأطروحات الجامعية
1996: دكتوراه في علم الإنسان، جامعة إنديانا، بلومنجتون، (و. م. أ):
"التحقيقات الأثرية بموقع عين الحنش من العصر الحجري القديم الأسفل في الجزائر وتأثيراتها السلوكية".
1993: ماجستير، جامعة إنديانا، بلومنجتون، (و. م. أ).
1985: دكتوراه الطور الثالث في جيولوجيا الزمن الرابع والحفريات البشرية، جامعة بيار وماري كوري، باريس، (فرنسا):
1982: شهادة الدراسات المعمقة في جيولوجيا الزمن الرابع، جامعة بيار وماري كوري (باريس VI) والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، باريس، (فرنسا):
"تقنيات تقطيع الشظايا في كهف العصر الأشولي في لازاريه، نيس، ألب ماريتيم".
1981: ليسانس في علم الآثار؛ تخصص: ما قبل التاريخ، جامعة الجزائر، (الجزائر):
"دراسة نوعية للفؤوس اليدوية من موقع العصر الأشولي في تيهودين، الصحراء الجزائرية".
نظرة شاملة حول المسار المهني للأستاذ محمد سحنوني
تقلد الأستاذ سحنوني في مشاور يزيد على الثلاثين سنة من العطاء المهني العديد من المناصب، والتي سنذكرها فيما يلي مقسمةً حسب الصنف:
التعليم الجامعي
منذ 2010: أستاذ ورئيس برنامج علم الآثار، المركز الوطني لبحوث تطور الإنسان (CENIEH)، بورغوس، (إسبانيا).
2001 – 1998: أستاذ مشارك، جامعة روفيرا آي فيرجيلي، تاراغونا، إسبانيا (مجموعة أبحاث الزمن الرابع، معهد الدراسات المتقدمة)، وقسم التاريخ والجغرافيا.
1996 – 1997: أستاذ زائر مشارك، جامعة روفيرا آي فيرجيلي، تاراغونا، إسبانيا، قسم التاريخ والجغرافيا.
1991 – 1996: محاضر، معهد الآثار، جامعة الجزائر.
1985 – 1991: أستاذ مُساعد، معهد الآثار، جامعة الجزائر.
الإدارة الجامعية والبحث
منذ 2018: منسق برنامج علم الآثار، المركز الوطني للبحث في التطور البشري (CENIEH).
2010 – 2017: منسق برنامج تكنولوجيا ما قبل التاريخ، المركز الوطني للبحث في التطور البشري (CENIEH).
1989 – 1991: نائب المدير المكلف بشؤون الطلاب، معهد الآثار، جامعة الجزائر.
1985 – 1987: رئيس قسم الجذع المشترك، معهد الآثار، جامعة الجزائر، الجزائر.
الانتماء إلى المؤسسات الأكاديمية والبحثية
2001 – 2010: عالم أول، مركز البحث في الأسس الأنثروبولوجية للتكنولوجيا ومهد العصر الحجري، جامعة إنديانا - بلومنجتون، و. م. أ.
منذ 2009: مدير أبحاث مشارك، المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ؛ علم الإنسان والتاريخ، الجزائر (CNRPAH).
منذ 2010: باحث مشارك، معهد العصر الحجري، بلومنجتون، و. م. أ.
منذ 1999: باحث مشارك، قسم الأنثروبولوجيا، جامعة إنديانا بلومنجتون، و. م. أ.
منذ 1997: مؤطر طلبة الدراسات العليا، معهد الآثار، جامعة الجزائر.
العضوية في الجمعيات المهنية
منذ 2023: الأكاديمية العالمية لعلوم ما قبل التاريخ وفجر التاريخ، باريس، فرنسا.
منذ 2011: الجمعية الأوروبية لدراسة التطور البشري، ألمانيا.
منذ 1995: جمعية أنثروبولوجيا الإنسان القديم، واشنطن، و. م. أ.
2006 – 2007: جمعية علم الآثار الأمريكية، واشنطن، و. م. أ.
1995 – 1996: أكاديمية نيويورك للعلوم، نيويورك، و. م. أ.
1984 – 1990: الجمعية الفرنسية لما قبل التاريخ، باريس، فرنسا.
1992 – 1994: جمعية علماء الآثار الأفارقة، و. م. أ.
العضوية في المجالس العلمية
منذ 2022: الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية (ATRSSH)، المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي (DGRSDT)، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الجزائر.
منذ 2015: المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ؛ علم الإنسان والتاريخ (CNRPAH)، وزارة الثقافة، الجزائر.
نظرة عامة حول الإنتاج العلمي للأستاذ محمد سحنوني
فيما يلي قائمة بأبرز الإصدارات العلمية للأستاذ محمد سحنوني:
مقالات:
تقييم الاستراتيجيات المعيشية لسكان شمال إفريقيا الأوائل: أدلة من موقع عين بوشريط في العصر البليستوسيني المبكر (الجزائر) – مايو 2023
عن عمر موقع عين الحنش الأولدواني (الجزائر): نتائج التأريخ العددي الأولى – مايو 2023
خيول هيباريون الأخيرة في شمال إفريقيا - يتبع تناقص خيل هيباريون وانقراضه نمطًا مشتركًا – يناير 2022
السياق الرسوبي لموقع الخربة الأولدواني المبكر من العصر البليستوسيني، الجزائر: دراسات رسوبية وميكرو مورفولوجيا التربة – يونيو 2022
اكتشاف أدوات حجرية وعلامات قطع أدوات حجرية يعود تاريخها إلى 2.44 و1.92 مليون سنة مضت في موقع عين بوشريط (سطيف، الجزائر) وأثرها على الاستيطان البشري الأول في إفريقيا – يناير 2021
تسلسل العصر البليوسيني والبلستوسيني في وادي بوشريط (الجزائر): سجل أثري وأحفوري فريد من نوعه محدد زمنيًا في شمال إفريقيا – نوفمبر 2021
قطع أثرية تعود إلى 1.9 مليون سنة و2.4 مليون سنة وعظام تحمل علامات قطع بواسطة أدوات حجرية من عين بوشريط، الجزائر - نوفمبر 2018
أقدم آثار استيطان بشري في شمال أفريقيا: منظور عين حنيش، الجزائر - فبراير 2006
كتب:
Proceedings of the II Meeting of African Prehistory
وقائع الاجتماع الثاني حول قبل التاريخ الإفريقي
نُشر هذا الكتاب عام 2017، حيث يتضمن محاضر المؤتمر الثاني حول عصور ما قبل التاريخ الإفريقي الذي استضافته مدينة بورغوس الإسبانية في أبريل 2015. وهو من تحرير كل من؛ م. سحنوني، س، سيماو، و خ. ريوس جارايزار وإصدار المركز الوطني للأبحاث والتراث الإثنوغرافي في بورغوس (CENIEH).
إفريقيا مهد الإنسانية: الاكتشافات الحديثة
نُشر هذا الكتاب عام 2013، وهو مجموعة من الأوراق البحثية من الندوة التي انعقدت في سطيف، بتاريخ 26 و28 أكتوبر 2009، والتي ناقشت أحدث الاكتشافات في ميدان ما قبل التاريخ الإفريقي، وهي من إصدار المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، الأنثروبولوجيا والتاريخ الإفريقي (CNRPAH).
Le Paléolithique en Afrique. L’Histoire la plus longue
العصر الحجري القديم في إفريقيا. التاريخ الأطول
نُشر هذا الكتاب عام 2005، حيث يتيح نظرة شاملة حول العصر الحجري القديم في إفريقيا، ويتضمن مساهمات من كوكبة من الباحثين لاسيما توطئة من عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي المعروف "فرانسيس كلارك هويل" Francis Clarck Howell، وهو كتاب من إصدار Artcom/ Errance – باريس، فرنسا.
The Lower Palaeolithic of the Maghreb: Excavations and Analyses at Ain Hanech, Algeria
العصر الحجري القديم الأدنى في المغرب العربي: الحفريات والتحليلات في عين حنش، الجزائر.
نُشر هذا الكتاب عام 1998، حيث يتضمن دراسة مفصلة عن العصر الحجري القديم الأدنى في منطقة المغرب العربي، لاسيما التنقيبات التي أجرت في موقع عين الحنش بسطيف، الجزائر، والتحليلات المستنبطة منها، وهو من إصدار Archaeopress، أكسفورد.
ما قبل التاريخ (كتاب دراسي باللغة العربية)
هو كتاب دراسي أكاديمي حول عصور ما قبل التاريخ، منشور عام 1990، من إصدار مكتب المنشورات الجامعية، الجزائر.
Etude de l’industrie sur galets du gisement villafranchien d’Ain Hanech
دراسة حول صناعة الأدوات الحجرية في موقع عين الحنش من العصر الفيلافرانشي
هو كتاب مستمد من أطروحة دكتوراه الطور الثالث بجامعة بيار وماري كوري التي أعدها الأستاذ سحنوني، منشور عام 1987، يتضمن دراسة تحليلية عن صناعة الأدوات الحجرية في عصور ما قبل التاريخ في موقع عين الحنش الفيلافرانشي، من إصدار مكتب المنشورات الجامعية، الجزائر.
اكتشافات أثرية مُبهرة: الجزائر مهد البشرية
أسفرت الأبحاث الأثرية التي تولاها الأستاذ محمد سحنوني رفقة فريقه البحثي، المُنجزة بدعم من الجهات المعنية الجزائرية على غرار وزارة الثقافة و"المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ علم الإنسان والتاريخ" (CNRPAH)وكذا "المركز الوطني للبحث في تطور الإنسان" (CENIEH)بإسبانيا، عن العديد من الاكتشافات والتي نذكرها فيما يلي:
الموقع الأثري "عين الحنش" – "عين بوشريط"
يقع موقع عين الحنش في منطقة الهضاب العليا الشرقية من الجزائر، وعلى وجه التحديد في وادي بوشريط ببلدية القلتة الزرقاء الكائن مقرها على بعد تسعة كيلومتر شمال مدينة العلمة بولاية سطيف، ويعدُ هذا الشاهد الأثري مرجعًا أساسيًا للباحثين والمؤرخين المُهتمين بدراسة تاريخ البشرية من مختلف دول العالم.
وأثبتت الحفريات الأثرية في منطقة عين بوشريط التي أُعلن عن نتائجها سنة 2018 من خلال مجلة Science الأمريكية، تواجد الإنسان البدائي بشمال إفريقيا منذ 2.4 مليون سنة على الأقل، لتكُون بذلك ثاني أقدم مستوطنة بشرية في إفريقيا والعالم بعد موقع "غونا" بإثيوبيا الذي يعود تاريخه لـ 2.6 مليون سنة مضت. حيثُ عَثَرَ الباحثون على "أدوات حجرية أولدوانية" stone tools Oldowan وعظام حيوانات تحمل آثار قطع واضحة، مما يشير إلى مقدرة الإنسان البدائي آنذاك على صناعة أدوات حادة استخدمها في صيد الحيوانات وكل ما ينجرُّ عن ذلك من سلخ وتقطيع.وتدعم هذه الأدلة فرضية أن استخدام الأدوات الحجرية لم يقتصر على شرق إفريقيا فحسب، بل امتد إلى مناطق أخرى من القارة، مما يشير إلى تطور متزامن أو سريع لهذه التقنيات بين مجموعات بشرية مختلفة.
الموقع الأثري تيغنيف
تقع تيغنيف، إحدى بلديات ولاية معسكر غرب الجزائر، على بعد حوالي 20 كيلومترًا من مقر الولاية، حيثُ يمتد الموقع الأثري لتيغنيف، المصنف ضمن التراث الثقافي الوطني، على مساحة تقدر بـ 35 هكتارًا.
وقد شهد الموقع العديد من التنقيبات، تحديدًا في الخمسينات من القرن الماضي والتي كشفت أساسًا عن عظام فك بشري، وبعض الأدوات الحجرية والمستحثات الحيوانية، بيد أن نتائج الدراسات حول اللقى الأثرية تلك قد كانت تقليدية وسطحية ولم تُحدد الأحقاب الزمنية التي انتمت لها بدقة.
منذ 2014، بدأت أعمال تنقيب جديدة آخذةً بعين الاعتبار تعدد التخصصات لضمان نتائج أكثر دقة. وقد أسفرت هذه الأعمال عن اكتشافات هامة أعلن عنها مؤخرًا في الملتقى الوطني "نتائج الأبحاث الأثرية في الجزائر" المنظم في إطار شهر التراث (18 أبريل - 18 مايو). وقد تضمنت النتائج تحديد تاريخ الموقع بين مليون و400 ألف سنة ومليون سنة، وهي فترة تتجاوز التقديرات السابقة التي أشارت إلى 700 ألف سنة فقط. كما أظهرت التنقيبات وجود ثلاث فترات تعميرية بشرية مختلفة في الموقع: الثقافة الأولدوانية القديمة، الثقافة الأشولية، وثقافة ثالثة قيد الدراسة قد تكون مرتبطة بـ "الإنسان المنتصب"Homo Erectus . وأظهرت النتائج قدرة الإنسان في تيغنيف على التكيف مع بيئته رغم الظروف الصعبة مثل الجفاف.
"تقوم استراتيجيتنا على الاستعانة بالمختصين لحل الإشكالات العلمية المستجدة وفهم الجوانب المرتبطة بأي اكتشاف جديد. لذلك، ندعو الباحثين الأجانب عادةً إلى التعاون في مجالات محددة، سواء في عين بوشريط أو في الموقع الثاني بتيغنيف، بولاية معسكر. هدفنا الأساسي هو إعادة كتابة الفصل الأول من عصور ما قبل التاريخ في الجزائر، انطلاقًا من أقدم الآثار البشرية التي تعود إلى نحو 2.5 مليون سنة."
صراع علمي ذو بعد إيديولوجي: محاولات طمس الهوية الأثرية الجزائرية
مثل كل نجاح، تتربص به براثن الحاقدين وتكيد له، أبان مسار الأبحاث الأثرية التي قاد زمامها الأستاذ محمد سحنوني عن صراع إيديولوجي عميق، بادرت له جهات علمية توهمت بتبعية التراث الجزائري لفرنسا، متناسيةً بأن الاستعمار قد حل وانقضى دون رجعة. ويقول الأستاذ في هذا السياق:
"تعود جذور المشكلة إلى بداية تسعينات القرن الماضي، وبالتحديد عام 1992 الذي تزامن وبداية أعمال التنقيب الأثري بموقع "عين الحنش". حيث اقترح علينا أحد الباحثين من المركز الوطني للبحث الفرنسي تقديم يد العون، فتلقيت عرضه بكل صدر رحب مدفوعًا في ذلك بنيتي في توسيع الآفاق البحثية خاصة وأنه قد كان مختصًا في دراسة العظام. وأخبرته بأني سأتواصل معه بمجرد احراز تقدم في الأبحاث بالموقع والتوصل لنتائج. وبالفعل وبعد ثلاث حملات تنقيبية أجريناها، توصلنا للقى أثرية، فاتصلت به عام 1994 لمناقشة عرضه السابق، شريطة أن يساهم في تكوين البعض من الطلبة الجزائريين، إلا أنه قد قابل طلبي بالرفض فتعجبت من ذلك، بل وطلب مني نقل اللقى الأثرية المكتشفة إلى فرنسا، متحججًا بعدم استقرار الوضع الأمني بالجزائر، حينها تجلت لي نواياه، فانسحبت من الأمر كأن شيئًا لم يكن.
وفي عام 1996، بادرت وفريقي البحثي إلى نشر النتائج الأولية التي توصلنا لها فتقدمنا بورقة علمية إلى أكاديمية العلوم الفرنسية، وبقينا في انتظار الرد، الذي تأخر كثيرًا الأمر الذي أثار قلقنا رغم إدراكنا لصرامة إجراءات التدقيق والانتقاء التي تمتثل لها الأكاديمية والتي غالبًا ما تستغرق وقتًا طويلاً دون أن يصل ذلك في الحالات العادية إلى ما يزيد عن نصف عام، فتواصلت حينها مع إدارة التحرير للاستفسار، لأفاجئ بإخباري بأن أحد أعضاء اللجنة قد كان وراء عرقلة نشر البحث واتضح بأنه الشخص نفسه الذي ارتدى رداء الخيِّر ثم انقلب على عقبيه كاشفًا عن نواياه الحقيقية، فسخطنا من ذلك وطلبنا من اللجنة العلمية أن تسلك مسلكًا محايدًا، فغطت على ما اقترفه الباحث، ونُشِر المقال، ونشرت معه ادعاءات الفرنسي ببطلان صحة النتائج المذكورة، التي أرخنا من خلالها لموقع عين الحنش بمليون و800 ألف سنة.
وبعد اكتشافنا لموقع "عين بوشريط" ومباشرة الأبحاث فيه، أرخنا له بمليونين و300 ألف سنة، في بحث نُشر في المجلة الأمريكية "جورنال أوف ريفولوشن" Journal of Revolutionعام 2002، وهذه المرة قام ثلاثة باحثين، من ذوي المراتب العليا في المركز الوطني للبحث الفرنسي، بالطعن في نتائج بحثنا من جديد، وقد تلقيت هذا الخبر عبر مراسلة بريدية وأن في غمار البحث الميداني، لذا اقترحت على الجهة المرسلة أن أنشر وفريقي البحثي في نفس العدد المتضمن للطعن، وفعلاً باشرنا العمل بمجرد عودتي إلى أمريكا، وكان ردنا يستند لمعطيات علمية بحتة وحجج دامغة.
وفي عام 2018، وغداة الإعلان عن الاكتشافات العلمية المستجدة بـ "عين بوشريط" التي أرخت للموقع بمليونين و600 سنة مضت، هرعت جهات فرنسية لمحاولة تكذيب النتائج وتقزيم أهميتها، لكن هذه المرة بالاستعانة بصحفيين مرتزقة من خلال مجلة "لوبوان" الفرنسية Le Point.
وبين هذا وذاك، يبقى الشغل الشاغل للباحث والأستاذ محمد سحنوني ومسعاه السامي، هو إعادة كتابة تاريخ فترة ما قبل التاريخ في الجزائر بنظرة وطنية؛ بطريقة علمية وموضوعية، واستئصال النزعة الاستعمارية التي هدفت للتحكم في التاريخ والتراث الجزائري.
"يجب أن ندرك، نحن الجزائريين، أن قضية التراث مسألة حساسة، خاصة في ظل استمرار بعض الباحثين في تبنّي نظرة علمية ذات طابع كولونيالي. هذه النزعة لا تزال حاضرة لدى فئات من علماء الآثار في الغرب عمومًا، بما في ذلك بعض اللوبيات العلمية في فرنسا، التي ما زالت ترى الجزائر امتدادًا لها، وترفض إنجاز أي بحوث فيها دون إشرافها. شخصيًا، خضت معركة استمرت 25 عامًا، ولم يكن الأمر سهلًا، إذ تمكن الجزائريون لأول مرة من التحرر من الهيمنة الفرنسية وتحقيق إنجاز بهذا الحجم."
ملخص مراحل الأبحاث الأثرية للأستاذ محمد سحنوني
المرحلة الأولى: 1992 – 1994
إعادة استكشاف موقع عين الحنش.
ترسيخ أهمية الموقع من خلال التأريخ واكتشاف لقى أثرية جديدة، بالإضافة للتوثيق الأثري من الناحيتين السراتيغرافية والجيولوجية.
نشر نتائج الأبحاث في مجلات علمية مرموقة، أعوام: 1996 و1998 و2002.
المرحلة الثانية: 1998 - 2007
توسيع مشروع عين الحنش.
اكتشاف مناطق أخرى مثل "الخربة" والبيضة".
اكتشاف لقى أثرية مبهرة.
المرحلة الثالثة: 2007 – إلى الآن
اكتشاف موقع عين بوشريط وإعادة التأريخ له.
اكتشاف موقع تيغنيف، الذي يعد امتدادً للعمل البحثي.
الجوائز والتكريمات
2018: تحصل الأستاذ سحنوني على جائزة التميز في علم الآثار، مقدمة من السادة وزيري الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي وذلك خلال حفل أقيم بقصر الثقافة بالجزائر العاصمة في سياق الإعلان عن اكتشافات "عين بوشريط".
2005: أُدرجت السيرة الذاتية للأستاذ سحنوني في الطبعة الستين من Who’s Who America وهو كتاب يتضمن سير ذاتية مختصرة لشخصيات بارزة، صادر عن New Providence بنيو جيرسي الأمريكية.
1997 و1998: أُدرجت السيرة الذاتية للأستاذ محمد سحنوني في "القاموس الدولي للسير الذاتية" Dictionary of International Biography في طبعته السابعة والعشرين، الصادر عن International Biographical Center، بكامبرج الإنجليزية.
1995: كُرّم الأستاذ سحنوني كعضو نشط في "أكاديمية نيويورك للعلوم" The New York Academy of Sciences.

Podcast الوسام
محتوى سمعي من انتاج مؤسسة وسام العالم الجزائري, تابعنا على:
google-podcast spotify apple-podcast